استهداف قبائل كل اسوك والمفارقة العجيبة

استهداف قبائل كل اسوك والمفارقة العجيبة


محمد أغ محمد

ما هي قبائل “كل اسوك“:

“كل اسوك” كلمة تطلق على قبيلة عريقة في إقليم أزواد شمال مالي، يرجع أصل التسمية إلى منطقة تسمى “السوق” أو “تادمكت” التي بلغت من شهرتها في الازدهار المعرفي، والحضاري أن ذكرها البكري في كتابه، بعد خرابها بقي اسم “السوقي” أو “اوسوك” علما على كل من يشتغل بالعلم الشرعي، وآدابه، فامتدت القبيلة، وانتشرت في كل مدن الإقليم، وتفرعت منها أفخاذ، أصبحت قبائل مستقلة كل واحدة عن الأخرى، لكن تبقى مشتركة في السمات العامة، التي عرفت بها في المنطقة، وهي

1.أنها تدعي النسب العربي، فهم إما منتسب إلى “الأشراف الادارسة، والأدارعة”، أو إلى “الأنصار الخزرج، والأوس”، وهي طارقية لغة، وثقافة، وتقاليد..

2.أنها قبائل تهتم في المنطقة بالثقافة العربية الإسلامية، فأنتجت العلماء الكبار في الشريعة، واللغة، والشعراء الأفذاذ، والخطاطين الماهرين.

3.أنها قبائل متدينة، ومعروفة بالزهد، والغالبية منها تعتمد المذهب المالكي في الفقه، والأشعرية في العقيدة، والتصوف في السلوك، وجل علمائها الكبار في التاريخ صوفيون، ومرجعيات في القضاء وفق المذهب المالكي. (لكن في الآونة الأخيرة بدأت الوهابية تفد عليهم لكن تلقى مقاومة كبيرة من الوسط الاجتماعي التقليدي

4.أن لها علاقات قبلية تاريخية، وعهودا مقدسة مع بعض القبائل الطارقية، والعربية، والزنجية، وأهل العهد والحلف معهم من الطوارق هم إموشاغ، ودوسهاك، وإمغاد، وكل غزاف، وإشضنهرن، وإدنان…..إلخ ومن العرب “قبائل كنته”، ومن الزنوج “إهتن”، خصوصا سكان “ها”

5.أنها لاهتمامها بالتعلم امتلكت نوعاما زعامة القضاء، والتعليم، والترأس على الطرق الصوفية… في المناطق التي يتواجدون فيها، فظل ذلك وظيفتها الأساسية التي تعتبر مصدرها الاقتصادي في المنطقة

6.أنها معروفة ب”السلم”، وعدم العجلة إلى “الحرب”، والترفع عن كثير من الأعمال الحديثة، فشبابها يمنعون من التسلح، ومن مزاولة كل الأعمال التي يرونها لا تليق بمكانتهم التعلمية، والصوفية.

وهكذا إذن أصبحت قبائل كل اسوك “منظومة فكرية، قبل أن تكون تجمعا قبليا، لها تقاليدها الموروثة، وطبيعتها القبلية، ووظيفتها العملية، لهذا قد تكون كلمة “أوسوك” “مفهوما مفتوحا” يدخله كل من يشاء، ويخرج منه من لا يريده!

ومن شخصياتهم المشهورة:

1.الشيخ العلامة محمد يوسف المعروف “إد ن تكرنكت” جد العديد من كل اسوك

2.قاضي القضاة في مملكة بني “كاردنا” إولمدن، الشيخ/ محمد البشير بن إمَّد، من ذرية الشيخ المذكور

3.الشيخ الولي العارف/ حمادو بن محمدو، شيخ طريقة صوفية قادرية، استقطبت الكثير من  طوارق، وعرب، وسنغاي أزواد

4.ابنه الشيخ العلامة المحمود المعروف ب”الخضر”، فقيه،  أصولي، صوفي، شاعر، فيلسوف، له العديد من المؤلفات أشهرها “الجوهر اللامع في نظم جمع الجوامع”

5.الشيخ العلامة/ إغلس اليماني، فقيه، لغوي، شاعر، له مؤلفات فقهية وديوان

6.الشيخ المحدث المحقق اللغوي/ اسماعيل الأنصاري في السعودية، منح درجة “باحث ممتاز” في “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية”، وحقق، وألف العديد من الكتب المنشورة بالمملكة

7.الشيخ مؤرخ الصحراء/ العتيق بن الشيخ سعد الدين، مؤلف كتاب “الجوهر الثمين في أخبار صحراء الملثمين، ومن جاورهم من السوادين

8.الشيخ/ زين الدين بن الشيخ المنير، عالم شرعي كبير، وخليفة جده الولي العلامة/ حمادو في الزعامة القبلية، والمشيخة الصوفية

9.عبد الله أغ الحسين، مغني فرقة تنارون العالمية

10.الشيخ/ عبد الله موسى “تنا” رئيس منظمة المركز الخيري بالنيجر

11.البروفيسور/ ابراهيم يوسف، دكتوراه في الاقتصاد بفرنسا

12.محمود أغ غالي، رئيس المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد سابقا، والعضو في المجلس الانتقالي الأزوادي حاليا.

تلك هي نبذة سريعة ومختصرة جدا عن “كل اسوك”، والسؤال الأهم هو :

هل نفعتهم السمات المذكورة في أزمات مالي المتعاقبة؟

يبدو أن سلمية القبيلة، وعلاقاتها الحميمية مع الجميع لم يحل ذلك بينها وبين أن تكون هدفا لكل التصفيات العرقية، والانتهاكات الخطيرة، والانتقامات السياسية، سواء من “السنغاي ـ جماعة جاندوكوي ” أو من “العرب ـ جماعة التوحيد والجهاد”، أو من “حكومة مالي ـ عهدي ألفا كوناري، وتوماني توري “، وكذلك “صمت الطوارق” الذي قد يفهم منه التواطؤ أو نحوه، لكن دون إطلاق هذا الحكم لنا أن نستعرض الانتهاكات والمجازر التي تعرضوا لها بسرعة قبل قراءتها، ومحاولة فهمها، واستيعاب آثارها الممكنة.

استهداف كل اسوك في إقليم أزواد تم على مستويين اثنين: “الإبادة الجماعية، وتصفية الشخصيات”.

أولا: الإبادة الجماعية:

منذ اندلاع الثورات الأزوادية بعد استقلال دولة مالي تعرضت أحياء قبلية لكل اسوك إلى مجازر تدمي القلوب، على أياد مختلفة الألوان، والأشكال، والأهداف، ومن النماذج المأساوية لتلك المجازر:

مجزرة وادي الشرف الرهيبة 1994!

وادي الشرف قرية بناها ثلاثة أحياء من قبائل كل اسوك “كل تبورق، كل تجللت، كل تكرتن” شرق مدينة غاو على بعد 10 كيلو متر، وفيها الولي العارف/ المنير بن الشيخ الولي/ حماد المذكور، وهو ممن تم استهدافهم ضمن كوكبة عديدة من علماء أجلاء، وشخصيات في القرية، خلال هجوم وحشي عنصري، نفذه الجيش المالي، بالتعاون مع مليشيات كاندوكوي يوم الأحد 17/05/1414 هـ الموافق 23/10/1994م.

لم يترك البغاة عالما، ولا عجوزا، ولا امرأة إلا تحت الرماد، وأحرقت الكتب، ودمرت المباني، ولم ينج سوى فار بروحه، مشيا على الأقدام مخلفين وراءهم شهداء نادرين من البشر، والتراث، والتاريخ.

وهو يوم دامس في تاريخ كل اسوك ، خلده الشعراء بمراثي، تربو على مجلد كامل.

مجزرة حي كل تيسي 2010!

هذه وقعت قبيل أحداث الثورة بعام 2010 فقط، وقد راح ضحيتها أغلب رجالات الحي، وفيهم الشيخ حسان،  المهندس/ المحمود، على يد عصابات جاندوكوي فئة “الفلانيين”، ولا شك أن مالي مسئولة عن هذه أيضا لعدم بسطها الأمن في المنطقة، والقرية خالية من أية حراسة حكومية، وتمت مباغتتها والأهالي يصلون الفجر.

مجزرة مخيم كل اسوك شرق كيدال 2012!

هذه المجزرة بكل وضوح ارتكبها الجيش المالي في حق هذا المخيم الذي يفر من شظايا الفتنة، وابتعد عن مدينة كيدال 10 كيلو متر، لكن الطيران المالي أمطر عليه بوابل من الصواريخ يوم 25/02/2012م، ولم ينج عجوز، ولا طفل.

هذه نماذج للانتهاكات السافرة التي تستهدف كل اسوك على مستوى “الجماعات، والأحياء”، فلننتقل إلى التصفيات التي تطال “الأفراد”.

ثانيا: تصفيات شخصيات كل اسوك:

أصبح الاغتيال والاختطاف، والتصفية عادات تمتهن ضد شخصيات كل اسوك الناشطة في المجال السياسي، أو الإنساني، أو الدعوي، وبدون ذكر العلماء الكبار الذين تم إعدامهم بالرصاص الحي في مجزرة وادي الشرف، يكفي ذكر ثلاثة من الشخصيات خلال هذه الثورة الجديدة.

الشيخ العلامة/ المنير بن الولي العارف حمادو المذكور.

فقد عينته هنا لأنه شيخ طريقة كاملة، وزعيم عدة قبائل في أزواد، ولأنه تم البحث عن بيته يوم الحادث المذكور في وادي الشرف، وتم القضاء عليه هو وكل من حوله من أبنائه، ومريديه، وأتباعه في البيت

السيد محمد أغ حتبو المعروف ب”أغشوم”

شخصية مشهورة في المنطقة، تنتمي إلى قبيلة “كل جنهان” ولاية غاو، قرية “تن أهما”، تزعم الملتقى الثقافي الأول لقبائل كل اسوك عام 2009ـ 2010، وتم تعيينه كرئيس لاتحاد قبائل كل اسوك، وكان في الحكومة المالية رئيس المجلس الاستشاري لولاية غاو، ورئيس غرفة الزراعة في الولاية، وعضو في حزب أديما الحاكم في عهد الرئيس توماني توري.

 لقد تم اختطافه بالعاصمة من الفندق بباماكو يوم 18/09/2012، ولم يعرف مصيره لحد اليوم، والجهة المتهمة حتى الآن باختطافه، أو إعدامه هي ميليشيات جاندكوكي ذات الأغلبية السنغاوية.

الداعية محمد أغ موسى

هو كغيره من دعاة ولاية تمبكتو، ارتبط بجماعة أنصار الدين، كمجرد داعية عادي، حين رأى فيها المشروعية، والوجود، وكان ضمن الفارين عن ألسنة النار بالولاية، وانتهى به الأمر إلى قرية “إن خليل” في الحدود الجزائرية، وتم اعتقاله هناك اليوم أو أمس 30/01/2013م، والجهة المتهمة باعتقاله حتى الآن هي “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” ذات الأغلبية الطارقية.

التعليق

لعل قراءة السرد المذكور تغني عن التعليق، والتحليل، لكن يمكن استخلاص النتائج التالية:

1.أن هناك نوعا من الاستهداف السافر لقبائل كل اسوك بالذات، فما ذكر من تصفيات جماعية مشهورة لم نسمع له مثيلا تجاه القبائل الأخرى

2.فهذه التصفيات لو كانت ضد أشخاص عاديين لكانت أخف، وأسهل ربما، لكن هناك نوعا من الانتقاء المقصود للرموز الفاعلة، وللأحياء الحيوية في العلم، والتراث، والفكر، ولذا أصبح الأمر جللا

3.أن حكومة باماكو مسئولة بشكل مباشر وغير مباشر عن تلك التصفيات والمجازر، لأنها لم تقم بما يحول دونها، كما أن للجيران الآخرين دورا فيها خصوصا الفلانيين، والسنغاي، وحتى العرب، والطوارق! هذا إذا لم يكن الطارقي أو العربي متورطا أصلا في بعض التصفيات، والمجازر

4.فالسمات العامة التي يتميز بها السوقي، والتي ينبغي أن تصبح له شفيعا عند الجميع، من العرب، والطوارق، والسنغاي، وحكومة مالي قد تحولت ربما إلى “السلب”، فانتهزها الجميع للقيام بما يحلو له لأننا في عصر سياسة الغابة، “البقاء للأقوى

5.أن الأزواديين يجب أن يحلوا مشاكلهم الداخلية أولا، ويرمموا صفوفهم قبل التفكير في المشاكل الخارجية، فالدمار كله يأتي من الداخل، فيجد الخارج الثغرات لاستغلالها، والتسلل عبرها.

أما المفارقة العجيبة والتي جعلتني أسجل هذه الكلمات أن كل ما ذكر من انتهاكات فمجرد ظلم واضح، بدون أي سبب يذكر، فالقوم مسالمون، أبرياء، ولهم علاقات احترام مع الكل تفرضها طبيعة تركيبهم الثقافي، والاجتماعي، وفكرهم الإسلامي المعتدل جدا، فلا يظلمون مالي، فضلا عن الطوارق، والعرب، والسنغاي،  وأدانت شخصياتهم المرجعية كلها ما تقوم بها الجماعات الإرهابية في المنطقة، رغم ذلك كله لم يسلموا من تلك المجازر ،والتصفيات، والانتهاكات وكأنهم أصبحوا “كبش فداء” للأزمة الأزوادية المالية التاريخية، فكل من يريد أن ينتقم من الآخر فإنه لا يجد لحما طريا غير “اوسوك”، فالعنصري من جاندكوي إذا أراد الانتقام من الطوارق لن يتجرأ على غير كل اسوك الضعفاء، والجندي المالي كذلك، والآن فتحت قضية جديدة أيضا قد تبيدهم هي “التدين”، فالعضو في الحركة الوطنية إذا أراد البحث عن إرهابي فلا يجد أمامه غير أوسوك، وهذا إذا قام به الطارقي، والعربي فما بالكم بالبمباري، والفرنسي

وهنا بدون عصبية لهذه القبيلة أذكر الجميع بخطورة هذا المنحى الوبيل، والانتباه لانتقاء رموز “قبيلة ككل اسوك”، فلئن لم تكن لهم “بندقية” فإن لهم بلا شك “قلما” وكفى

 باحث في شؤون الطوارق

alhassany1988@gmai.com

تعليقات (0)
إغلاق