بالمبادرات الجادة وعبر الحوار نصل للتعايش السلمي وحسن الجوار

بالمبادرات الجادة وعبر الحوار نصل للتعايش السلمي وحسن الجوار

1623420 470593756385689 536469157 nفي خضم التطورات والأحداث المتسارعة أحياناً التي يعيشها العالم الإسلامي بما يصاحبها من تقلبات وهزات كبيرة في بعض بقاع الأرض لم يزل المفكرون ورجال السياسة والخبراء الاجتماعييون يحاولون فهم الأساليب الحقيقية الكامنة وراء هذه القلاقل أو تلك النزاعات، وسواء ركزت بحوثهم أو نقاشاتهم على مناطق أو دول معينة أو شملت دراساتهم دول العالم ككل، فإن الغالبية من هذه الدراسات تعتبر أسباب النزاعات دائرة بشكل أساسي بين الجوانب الأربعة (الديني، الثقافي، الاجتماعي، السياسي)، حيث يجري صراع الإرادات دائماً بين أتباع طريقة ما وبين غيرهم وبين معتنقي أيديولوجية معينة، وبين من يخالفهم، ويحدث نزاع بين أبناء ثقافة ما وغيرهم، ويصطدم أصحاب نظرية سياسية أو قيمة اجتماعية أو حق سياسي ما مع الطرف الآخر وهكذا دواليك، إلاّ أن بعض البلدان استطاعت التغلب على هذه المشاكل بعد عمل شاق يجمع بين الحوار الجماعي وبين اقتناع الكل أو الجل بضرورة القضاء على

هذه التجاذبات التي تجعل عجلة التقدم والتنمية تتراوح في مكان واحد، وسنطلّ باختصار شديد من خلال هذه المداخلة إلى واقع شعب النيجر حيال هذه الجزئيات.
على كل حال وفي غمرة كل هذه العواصف من الأحداث التي تعيشها منطقة الساحل، فبإمكاننا القول بأن الثقافة الإسلامية تجذرت في النيجر منذ قرون من الزمن وتشبعت الأجواء الدينية والعلاقات البينية في الشعب النيجري بالتسامح وتبادل الاحترام وحسن الجوار، كنتيجة حتمية لتقادم العهود بين أجداد جماعة ما وبين أجداد جماعة أخرى مجاورة، وتشابك الأرحام بين قبيلة معينة وبين أخواتها تلك الوشائج والحبال المتينة التي لم يتمكن اختلاف اللون وتعدد اللهجات وتباين الثقافات من قطعها ولم تتمكن خشونة الطبيعة في بعض الأماكن ولا الفقر والجهل من الحيلولة دون الحفاظ عليها، وهذه الظاهرة موجودة حتى الآن، فبالرغم من ثوران بركان العنصرية اللونية واللغوية التي ساهم في تأجيجها توفر وسائل الإعلام الحديثة، والسعي وراء المادة وحب الشهرة، إلاّ أن الوازع الديني والاجتماعي ظل كل واحد منهما قامعاً لكثير من الناس ويصدهم عن نقض العهد وقطع الرحم، وساعد على هذا النهج وجود مؤسسات إسلامية دولية ووطنية، تعمل جاهدة على توعية الناس إسلامياً وأخلاقياً، وتنشر مبادئ المحبة والألفة والتسامح وتوصل رسالتها بالموعظة الحسنة وتساعد ما تيسر لها من السكان بشتى الخدمات الخيرية المعرفية والتنموية، ولا شك أن تعدد الفرق الإسلامية أصبح ظاهرة عامة في كل البلدان الإسلامية، ومن بينها النيجر فإلى جانب الفكر الصوفي الذي يمثله أتباع الطريقة التيجانية والقادرية وغيرهما، توجد الخطابات السلفية التي تدعو إلى السنة، بالإضافة إلى الشيعة والقرآنيين إلاّ أن الأخريين قليلتا الانتشار.
وتتبع كل من الجماعات السنية والصوفية وغيرها طريقها الخاص لترسيخ فكرها، إلاّ أنّ الجميع لا يستخدم العنف مع أتباعه؛ بل يكتفي بالمحاضرات والمواعظ والدروس، ولم يظهر أي توتر بين رجال الدين وبين الجهات الرسمية الدينية، وبغض النظر عن وجود حركات مسلحة أو عدم وجودها في الآونة الأخيرة، وسواء كانت دينية أو ذات صبغة سياسية، فإن النيجر كغيرها من دول غرب إفريقيا قلقة إزاء ما يجري في إقليم أزواد، وناجيريا، وتشاد، وليبيا، والجزائر…إلخ، من النزاع المسلح باعتبار بعض شعوب المنطقة متداخلة جغرافياً واجتماعياً وثقافياً، فكل الاحتمالات ممكنة بالرغم من وجود الاستقرار في الوقت الراهن، ونرجو من الله أن يستمر الأمن والاستقرار في النيجر وغيرها من بلاد المسلمين.
ويمكن القول بأن الشعب النيجري بحكم طبيعته المحبة للسلام والتسامح وتوفر الرغبة لدى الكثيرين في التمهن والانتاج، يشكل أرضية خصبة لزرع الأفكار الطيبة كاحترام الجوار وعدم دخول الأفراد فيما لا يعنيهم والإقبال على أشغالهم الخاصة، وخاصة أن الدين الإسلامي يدعو إلى هذه المبادئ، وبالتالي فبعض رجال الدين والثقافة يفضلون للتأثير على الجماهير والحد من التوترات استخدام الأساليب السلمية واللين وتوصيل الأفكار عبر حوارات أو مواعظ أو دروس، يفضلون هذا الأسلوب على الأساليب المتشددة، والتي يمكن أن تؤدي إلى المواجهة المسلحة.
والجدير بالذكر أن أية مبادرة للتقليل من النزاعات أو للقضاء على التوترات يجب أن تنطلق بمعرفة قادة الأحزاب، وزعماء القبائل، وممثلي التيارات الشعبية من الجنسين، ورؤساء الهيئات السياسية، لكي تضمن النجاح، علماً بأن التوتر القائم حالياً يخص الأحزاب السياسية التي تشهد علاقاتها تأزماً ملحوظاً في هذه الفترة.
هذا، وينبغي لأي شعب يعاني من التمزق الفئوي والتشتت الفكري والانقسام الاجتماعي والتصادم السياسي مما يهدد حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالانهيار وينذر بالحروب الأهلية، ينبغي له أن يحدد المرض قبل تقديم العلاج، ويفهم أن السلام والعدالة والتعايش السلمي هو الخيار الاستراتيجي الوحيد، الذي يضمن له الحياة الكريمة والآمنة والسعادة على مختلف الأصعدة، ويعي بأن السلام والحياة ينبعان من القلوب البيضاء اللينة والعقول السليمة النيرة، وليس من الحديد والنار، فعليه أن يجلس على طاولة النقاش لحصر أسباب المشاكل، ثم البحث عن الحلول المناسبة، والتي تصب في مصلحة الجميع، ويتم ذلك بشفافية وإخلاص وإنصاف، فالمسألة الآن تجاوزت نقطة اللون واللغة، فالشعوب بدأت تفهم وتعي بأن الخير والفضيلة والحب والعدالة قيم اخلاقية مطلوبة لذاتها لا تخص شخصاً أو لوناً أو لساناً دون الآخر، كما أن الشر والرذيلة والكراهية والظلم طبائع منبوذة ومرفوضة سواء وجدت في ابن قريتك أو ابن جلدتك أو ابن قبيلتك، فإذا كنا راغبين في التعايش السلمي والمؤاخاة والتعاون لكي ننهض بأوطاننا دينياً ودنيوياً وثقافياً وأخلاقياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فعلينا أن نسمو بأخلاقنا عن النظرات الضيقة الشخصية والجهوية والطائفية فنحرص على مصلحة الوطن ككل ونواصل حياتنا الدينية والدنيوية في ظل التسامح والأمن والتكافل والثقة المتبادلة، فإذا توفر العدل ثبتت الحريات وأعطيت الحقوق وحل كل شخص مكانه المناسب الذي يستحقه بقدر خبرته وحسب جدارته ووفق مستواه العلمي والمهني لتعم السعادة والرفاهية ويستتب الأمن والآمان.
ومن خلال ما تقدم نستشف بعض المقترحات للتقليل من الخلافات والتوترات، وهي:-
1- تضافر الجهود من قبل الحكومة من ناحية ومن قبل جهة دولية أو جهات دولية، تتقدم بمبادرة السلام للعمل على ما يلي:-
أ‌. مراعاة البيئة السياسية والأمنية، التي ستنشأ المبادرة في ظلها.
ب‌. تنفيذ حملات توعية لشعوب المنطقة بضرورة نبذ الحروب والنزاعات، والسعي نحو تحقيق التعايش السلمي كسبب وحيد للاستقرار.
ت‌. البحث عن الأسباب التي تؤدي بالجماعات إلى التمرد والفوضى، ووضع علاج سلمي مناسب لهذه القضايا بالتنسيق مع الأطراف ذاتها، التي تطالب بشيء ما.
ث‌. استبعاد أي طرف ثالث، إلاّ أن يكون مجرد شاهد، ويكون ممن يرجى منه الخير في تطبيق الاتفاقية التي ستبرم.
ج‌. تنهيض الأنشطة التنموية بشكل جديد، وعلى كافة الأصعدة وعلى مستوى الوطن، وتحفيز الهمم من أجل المنافسة في مجال العمل التنموي (الزراعة، التجارة، الصناعة، التعليم، المواصلات…)، ومن المهم أن تتوفر لهذه المبادرة مقومات تأهلها للدفاع عن نفسها بأن تتبنّاها الجهة التي اقترحتها والجهات التي تدعمها بشكل يضمن وقوفها مع الحكومة والشعب بشكل دائم فيما يخص المبادرة وتطبيق بنودها، ولو بتكوين لجنة إقليمية لمراقبة ومتابعة سير المبادرة، وستقابل المبادرة إذا تمت وفق هذه الخطوات – إن شاء الله – بالقبول الشعبي وتثمر نتائج طيبة …إلخ.
2. الاهتمام بالشباب في جميع المناطق وتوجيههم وتشجيعهم.
3. الاهتمام بالشريحة المثقفة وإتاحة الفرص أمامها للمساهمة في الرقي بالوطن.
4. الاهتمام برجال الدين وترشيد دورهم والاعتماد عليهم في التأثير على الأفكار من الجانب الديني، وتذكيرهم دائماً بخطر التعدد الطائفي وأهمية وحدة الكلمة والتسامح.
5. إنشاء مؤسسات ثقافية وحقوقية واقتصادية تنحصر مهمتها في التقريب بين الشعوب ونشر الوعي بأهمية التسامح والتعايش السلمي.
6. إشعار كل فئة من فئات الشعب من قبل الدولة بأنها معتبرة ومكفولة لها حقوق المواطنة وذلك بالتزام العدل والمساواة.
7. المساهمة والمشاركة في إيجاد حل نهائي للنزاع الأزوادي المالي، عن طريق مبادرة سلمية ناجعة.
أ.أحمد خميس نــوح
كاتب صحفي وناشط اجتماعي
هاتف رقم: 0022796288458 – 0022790355585
hamiss2004@hotmail.fr: البريد الإلكتروني

تعليقات (0)
إغلاق