محاولة تشخيص وحل للأزمة الأزوادية!

محاولة تشخيص وحل للأزمة الأزوادية!

                              الكاتب/ الحرف الأزوادي

لتقديم أي مقترح لأية مشكلة لا بد من الإحاطة بأبعادها، وطبيعتها، وتاريخها، وواقعها الحالي، ومستقبلها البعيد، قبل الوصول إلى أسبابها، وأعراضها، وتقديم علاجها، فتوصيف المرض، وتشخيصه بالعمق، يسبق تقديم الأدوية المناسبة…

الأزمة الأزوادية في الماضي:

طرح المسألة الأزوادية بموضوعية يستوجب على الباحث الدهشة، والحيرة، من شدة تعقيدها، فهي عبارة عن مركبات مزجية، وإضافية.

لقد كانت من قبل مسألة سياسية فقط، طرفاها “الطوارق الثوار، وجمهورية مالي”، بتدخلات مباشرة، وغير مباشرة من قبل القذافي، والجزائر، في ظل صمت فرنسي، ودولي، وفي هذه الفترة اقتصرت المطالب بتوفير حقوق المواطنة من التنمية، والبنية التحتية، ونحو ذلك، وكلما اشتعل حراك مسلح جديد يتم إخماده بمواعيد عرقوب، تتحمل مسؤوليتها ليبيا، أو الجزائر.

لكن الأزمة كأي “كائن” في الوجود يبدأ بسيطا، مفردا، وينمو بالتعقيد، والتركيب، والإضافات، وقد بلغت مرحلة الشباب في

الوقت الحاضر:

في عام 2011، عاد أغلب “الطلاب” الأزواديين، والمتعلمين في الداخل، والخارج، وشكلوا مؤسستهم المدنية الشكل، الثورية المضمون، قبل أن تأتي الصدفة، ويرجع “الجنود” العاملون لدى القذافي، ويلتحقوا ب”تركة” القائد ابراهيم بهانغا رحمه الله، مع أمل كبير في انشقاق “الضباط” في الجيش المالي، كما وقع فعلا! في وقت يكاد وعي المطالبة بالوطن في الشريحة الاجتماعية العامة يبلغ الذروة، بفضل “المغنين”، و”الشعراء”، و”الوضع السياسي المالي غير الديمقراطي“، فكان كل ما ذكر عبارة عن دوافع طبيعية قوية لعجلة حراك قد لا تقوى أمامه قوات غرب افريقيا كلها، فضلا عن قوات جنوب مالي، بل يخشى أن يكون “ما ذكر” وقودا متشظيا قد يلقي المنطقة الصحراوية كلها في جحيم ثورة طارقية لا تبقي، ولا تذر! (لن أدخل هنا في صدد ذكر التحليلات في ماهية الجماعات الإسلامية، بل سأصف الواقع كما يظهر للعيان فقط) فاندلعت الثورة الثانية مطلع 2012!

ومما زاد التعقيد “محليا“، أن المنطقة لا يقطنها الطوارق فحسب، بل فيها السنغاي، والفلانيون ،والعرب، وغالبية الإثنيات هذه لا ترغب في الاستقلال، ولا يريحها أن تكون في ظل دولة طارقية الحكم!، لكن التعقيد على المستوى “الإقليمي، والعالمي” قد يكون أشد!، فقد تزامنت الثورة هذه المرة أيضا مع مد إسلامي بنسختيه السلفية، والإخوانية“، يستهدف إعادة “الخلافة الإسلامية“، ومع “حراك أمازيغي في شمال افريقيا“، يستهدف إقامة تمازغا الكبرى“، إضافة إلى اكتشاف بعض الشركات النفطية لحقول النفط بقلب أزواد، مما يجعل لعاب أمريكا يسيل، فضلا عن “فرنسا” صاحبة الأرض التقليدية! في خضم هذا المناخ السياسي المتوتر، والذي يفتح صفحات جديدة في التاريخ، او ينبش عن أوراق قديمة لإحيائها ـ فيه انطلقت الثورة الثانية، فاكتست أهمية إقليمية، ودولية قبل المحلية، وحظيت بإعلام لا تتخيله، وتم تدويلها بشكل عجيب، لأن كل من ذكروا من الأطراف تسارعت للاستفادة، وللجميع براهين لمشروعية تدخله في القضية من “الأمازيغ عن طريق “الطوارق” حتى “العرب عبر “عرب أزواد”، و”السلفيون بواسطة “الإسلام”، و”فرنسا ـ الاستعمار ـ “، و”الجزائر ـ الحدود، والأمن ـ “، فضلا عن “مالي” التي تعتبر “ازواد” قطعة مقدسة من أراضيها، إلى “أمريكا” مالكة كل منطقة فيها نبع من “النفط”!، مع حضور بوركينابي، وموريتاني عن طريق علاقة البلدين التاريخية بالسكان.

وتحت هذا الجو المحتدم خارجيا تغلي مراجل القبلية” في أزواد، بين الطوارق أنفسهم، وبينهم وبين الإثنيات الاخرى.

إلى هذا الحد من الفخامة، والضخامة بلغ نضج الأزمة الأزوادية، ويحزنني أن أقول: إنها نضجت قبل أن ينضج أهلها! مما جعلها تفوق قدراتهم، وكفاءاتهم العقلية، والسياسية ،وطاقتهم الاقتصادية، وخبرتهم العسكرية، لدرجة أنهم لم يعودوا يطيقون السيطرة عليها، وعلى أطرافها، وعلى إدارة حتى “مكاتبهم التابعة لهم”!، لأنهم ادركوا انفسهم غارقين في “أمواج بطن حوتٍ عملاق”، كانوا يحملونه قبل أعوام، ففجأة أصبح يحملهم هو إلى متاهات من المستقبل لا يعرفون حدودها النهائية.

ولذا ينبغي قبل الانطلاق إلى “مستقبل الثورة الأزوادية“، أن نقول: إنها مرت بثلاث مراحل مفصلية واضحة المعالم (الثورة الأولى المسلحة من استقلال مالي إلى 2006، الثورة الثانية من مطلع 2012 إلى اليوم، وبينهما فروق كبيرة جدا في المنهج، والعتاد، والاستعداد، والفلسفة، والزمن، وتبقى الثورة الثالثة، التي لا ندري هل ستكون “ناعمة أو مسلحة)، لكنها ستكون لا محالة إن لم يجد العالم حلا نهائيا جذريا لقضية الطوارق، ولذا فإن “مستقبل الأزمة الأزوادية” نال أهمية لا من الأزواديين فحسب، بل من العالم أيضا.

مستقبل الأزمة الأزوادية:

مررنا سريعا على ضفاف الأزمة في الماضي، والحاضر، مما يدفعنا حتما للبحث في الحلول الجديدة، والمطروحة، وللتنبؤ للاحتمالات المفتوحة، فالمستقبل الأزوادي ـ لا شك ـ مجهول، ومفتوح على العديد من الاحتمالات المخيفة.

وعلى أي، يجب أن نركز على أن مستقبل هذه الأزمة، ـ ومعها “الثورة” ـ بيد أهل المنطقة لا غير، وإن تعاون معهم العالم، فالحل دوما من الداخل، وعلى العالم أيضا أن يعترف بهذا القانون، ويسلم المشكلة لأهلها، إن كان يريد لها الحل، هذا وللتوصل إلى حل جذري للمشكلة المعقدة، ويحترم دائما “مبدأ الحوار“، علما بأن مقترحي هذا يضاف إلى مقترحات أخرى، فالأزمة تجاوزت حد أن يحلها العقل الواحد، والرأي الواحد.

من الحلول التي أراها مفيدة:

انطلاقا من كل ما ذكر، واستنطاقا لتاريخ الثورات، والأزمات البشرية، وبحثا موضوعيا عن مخرج من هذه الكارثة الإنسانية قبل ان تكون سياسية، ودولية، سأوجز الحلول التي أراها مفيدة في النقاط التالية بكل اختصار:

أولا: يجب إحضار ممثلي الأطراف المعنية كلها في الاجتماع، والتي أميزها بعلامتي التنصيص، وهم ممثلون عن (النخبة المثقفة الأزوادية، القبائل الأزوادية، السنغاي، الطوارق، العرب، الفلانيون، الجنود القادمون من ليبيا، ورثة ابراهيم بهانجا، دولة مالي، الإسلاميون، الجزائر، فرنسا، مبعوث الأمم المتحدة).

ثانيا: أقترح تشكيل مكتب جديد بكل ما تعنيه الكلمة من الجدة، يغير بعض الوجوه السابقة، أو يستبدل مواقعها، والمكتب الجديد يجب أن يعبر عن التنوع الإثني، والجهوي، والفكري، والسياسي للأزواديين جميعا، وبدون استثناء.

ثالثا: قبل أي حوار أزوادي مالي، لا بد من أخذ ضمانات من دولة مالي في أنها ستوقف الوعيد بالحرب على الإقليم، وتمنع ميليشيات غاندوكوي من اقتحام الأراضي الأزوادية، كما يجب على أنصار الدين أن يتخلوا عن الجماعات الأخرى غير الأزوادية، ويطلبوا منها الرحيل فورا، وفي نفس الوقت ينبغي أن تسعى الدول كلها لإلغاء التدخل العسكري في المنطقة.

رابعا: بعد هذا لا بد من محاولة توحيد الرأي الأزوادي حول “ديباجة مطالب موحدة“، ترضي كل الأطراف، ولا تلغي أي أحد، فلا مجال لأي نقاش ما لم تتوحد الصفوف الوطنية، ثم إجراء حوار جاد مع مالي، ترعاه الاطراف الإقليمية ،والدولية الأخرى لتحديد موقف واضح جدا حول استقلال الإقليم، أو نيله لحكم ذاتي حقيقي، مشروط بدوم دولي من أجل التنمية، والتقدم، كيلا تشتعل الفتنة مرة أخرى.

خامسا: إرجاع اللاجئين الأزواديين فورا، مع تعويضات مادية لقاء خسائرهم الفادحة خلال العام الماضي، في المنازل، والأدوات، والمناصب، والأرواح.

هذه النقاط أعتقد أنها لو أخذت بعين الاعتبار، وطبقت لاستراحت منطقة الساحل، ولاستدرك العالم إطفاء حريق لو نشب لألقى المنطقة كلها في جحيم أسطوري، سينسيهم قصص أفغانستان، والصومال، وبهذه النقاط في نظري سوف يتم التحكم في المستقبل المجهول للقضية الطارقية، والأزمة الأزوادية الساحلية.

وأتمنى لكم كل التوفيق، والسداد، وأحلم بالسلام والأمان للبشرية كلها.

تعليقات (0)
إغلاق