لم نحرم “الرجال الزرق” حقهم في تقرير المصير
احتضنت نواكشوط مؤخرا اجتماعا لوزراء خارجية دول الميدان، حيث كانت القضية الأزوادية أهم محاور الاجتماع الذي كان مخصصا للنسخة المالية من سلسلة الإطاحات بالرؤساء المنتخبين والتي كانت نازلتها الموريتانية ومباركة الغرب لها مبررا كافيا لإتيانها من قبل ضباط في مؤخرة الرتب العسكرية ضمن الجيش المالي.
المفارقة هي أن مبرر العسكريين الموريتانيين الذي قادهم للإطاحة برئيس موريتانيا الأول، هو نفسه ما دفع النقيب “سونوغو” وعصابته للإطاحة بأول رئيس مالي يغادر السلطة طواعية، قبل أن يعود إليها مرفوعا على هامات وأكتاف الماليين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا.
عودة إلى موضوع اجتماع دول الميدان تقودنا إلى التساؤل لماذا كانت موريتانيا سباقة بعد فرنسا والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا إلى رفض الاعتراف بالدولة الحلم، التي تشبه في معاناتها الدولة الكردية التي شتتها الدول ورفضت بعضها حتى الاعتراف بحق الأكراد في التفكير بلغتهم، نفس الشيء يعاني منه الطوارق الذين وزعوا على 4 دول في المنطقة، وخاضوا من أجل قضيتهم عدة حروب وضعت آخرها أوزارها بعد اتفاقية الجزائر التي قضت بدمج المقاتلين من أجل القضية في الجيش المالي وتخصيص نسبة معتبرة من موازنة الدولة لتنمية الأرض السائبة التي تصول فيها القاعدة وعصابات التهريب وأباطرة المخدرات.
لكن الحكومة المالية نكصت بالوعد، فتخلف الشماليون في كافة ضروريات الحياة عن إخوتهم في الجنوب، وظلت موريتانيا تأوي في مخيم “امبرة” مئات اللاجئين الطوارق لم تثر حول عودتهم ما شهدته أحداث مشابهة من لغط، وتجريم، بل إن النفاق الموريتاني وصل درجة تسليم الجيد المختار الازوادي من قبل الرئيس اعل ولد محمد فال لجلادي قوميته، فكانوا أكثر رأفة به، حين اخبروه أنهم لم يطلبوا من الجانب الموريتاني تسليمه، ورب ضارة نافعة، كان التسليم فرصة لكي يجدد جواز سفره، وينطلق في أرجاء المعمورة مناديا بحق شعبه في العيش الكريم وتقرير المصير، حق كفلته جميع المواثيق الدولية، بل وتدخلت الأمم المتحدة مدفوعة من قبل القوى الكبرى إلى فرضه في كوسوفو وجنوب السودان، واريتيريا.
وحدهم الرجال الزرق ساكنة أزواد منعوا من حقهم في اختيار من يحكمهم ونمط الحكم الذي يرتضونه لأنفسهم، فتآمر عليهم الجميع بما فيهم بني جلدتهم الذين انتظروا منهم حق الدعم والمؤازرة.
قد يتفهم البعض الموقف الموريتاني، الذي يخشى استنساخ الحدث في ولايات النهر، لكن ذلك ليس مبررا للرفض المطلق الذي اتسم به موقفها، فالجزائر مثلا نادت في اجتماع نواكشوط، بضمان حق الشعب الأزوادي في العيش الكريم وناكفت من أجله بعيدا عن الرواقية التي تنتهجها موريتانيا في سياستها الخارجية والتي تقتدي فيها بإمامها الذي تقاتل عنه وكالة، وتنتظر فتواه للإقتداء به.
محمد نعمه عمر